محلي
سلة غذاء المملكة..
كيف أسهمت «الخرج» في تحقيق الاكتفاء الذاتي للسعودية
تعدّ محافظة «الخـــــــــرج»- بمزارعها، ومصانعهـا الغذائية، وثرواتها السمكيــة والحيوانية-؛ سلة الغذاء الأولى للمملكة العربية السعودية، وخاصة العاصمة «الرياض»، وبهــا الروضـــــة الأكبـــــــــــر في نجد، وهي «روضة السبهاء» التي تعدّ أوسع سهل زراعي في المنطقة الوسطى من المملكة.
وتعني كلمة «الخرج» في معاجم اللغة العربية: «الوادي الذي لا منفذ له»، وفي معناها القرآني «ما يخرج من الأرض من غلة أو محصول».
وفي هذا التقرير؛ نأخذكم في رحلةٍ عبر الطبيعة الجغرافية لـ«الخرج»، وأهميتها الاستراتيجية، وكيف اختلفت الزراعة بها في الماضي عن الحاضر؟، كما نستعرض أيضًا جهود المملكة في المجال الزراعي.
الموقع الاستراتيجي
تقع «الخرج» في جهة الجنوب الغربي من الرياض، ويبلغ عدد سكانها ما يقرب من 446 ألف نسمة، وتقدَّر مساحتها بنحو 19.790 كم²، كما تحتل مكانة مهمَّة على خارطة المملكة؛ لأنها ملتقى للعديد من الطرق السريعة، وتربط الكثير من المدن، بالإضافة إلى أنها طريق لبعض الدول المجاورة، حيث ترتبط «الخرج» بطريقٍ سريعٍ مع العاصمة الرياض، ويعدّ هذا الطريق، أول طريق سريع في المنطقة الوسطى، وتم إنشاؤه عام 1980، ويخترق «الخرج» طريق سريع آخر، يربط بين العاصمة ومنطقة عسير السياحية الواقعة في جنوب المملكة، ثم إلى اليمن، كما توجد في مدينة “الخرج» «سكة حديد» تمر منها إلى الرياض، ثم إلى المناطق الشرقية.
وتجدر الإشارة هنا أيضًا، إلى أن قُرب «الخرج» من الرياض؛ منحها ميزة كبيرة، حيث وفّرت «الخرج» سوقًا كبيرة، وميزة نوعية لمنتجات المنطقة التي تميَّزت بقِصَر فترة النقل والتخزين، بحيث أصبحت المنتجات تصل إلى المُستهلك «طازجة»، وهو ما جعله يفضِّل المنتج؛ إذا عَلِم أنَّه من مُنتجات «مزارع الخرج».
وتعدّ «الخرج» من المناطق الغنية بكل المُقوّمات الاقتصادية الجاذبة للاستيطان والاستثمار، ليس هذا فحسب؛ بل وتتمتع بالموقع الجغرافي المتميز، والموارد الطبيعيّة والكثافة السكانيّة، وهي بلا شك، عوامل تُكسب هذه المدينة مناخًا ناجحًا للاستثمار، فيما لو استُغِلت الاستغلال الأمثل في خلق كيان اقتصادي قوي.
الزراعة بين الماضي والحاضر
في الماضي، كان الفلاحون في «الخرج»، يزرعون ما يزرعه المُواطنون الآن من زراعاتٍ أساسيَّةٍ؛ كـ«الأعلاف، والذّرة، والقمح، والخضراوات»، لكن بطريقةٍ تتناسَب مع الإمكانيات المُتاحة حينها.
وبدأ التطوّر الحقيقي لـ«الخرج» كمحافظةٍ زراعيةٍ؛ حينما رأى الملك عبد العزيز آل سعود، في هذه المنطقة، بيئةً مُناسبةً للاستفادة منها زراعيًّا؛ فأدخل التقنيات الحديثة لها، لا سيما بعد توافُر المصادر الماديّة، فجلب آلات رفع المياه منذ وقتٍ مُبكّرٍ، ودعم المزارعين، وطرح لهم نموذجًا حديثًا ومُتطوّرًا للزراعة؛ من خلال مزارع الحكومة ومشروعها الزراعي، وأمر بتحسين قنوات المياه لهذه المشروعات، وهو ما دفع أهل «الخرج» إلى مُجاراة هذه الفكرة، بدعم من الدولة.
كل هذا دفع الملك المُؤسِّس إلى إنشاء أوّل مشروع زراعي بـ«الخرج»، والذي كان وما زال بمثابة سلة الغذاء لمدينة الرياض، وكل مناطق المملكة الأُخرى التي استفادت من تعميم تجربة مكائن (البلاك ستون) التي وصلت للمنطقة، وعملت على ضخّ المياه لهذا المشروع، ومن ثمَّ انتقلت إلى عدّة مناطق في السعودية، وأسهمت في إحلال نظام الري الآلي، بدلًا من النظام القديم المعمول به في «الخرج».
بينما في العصر الحاضر، أسهمت الوفرة في إيرادات المملكة؛ في تغيير الخريطة الزراعية في السعودية، فبعد أن كان مشروع «الخرج» الزراعي التابع للحكومة، هو الوحيد؛ أُشغلت بقيّة المناطق الصّالحة للزراعة في المنطقة، بمشاريع زراعية كبيرة، ووفَّرت الكثير من المنتجات الزراعية للمملكة، مكَّنتها من تحقيق الاكتفاء الذاتي من مُختلف المنتجات الحيوانية والزراعية، وتصدير الفائض من الإنتاج.
سلة غذاء آمنة
أصبح إنتاج «الخرج» الزراعي، مُنافسًا في الأسواق العالمية والعربية والمحليّة، ويحقِّق اكتفاءً ذاتيًّا في مُعظم المنتجات الزراعيّة؛ بفضل الدَّعم غير المحدود الذي يجده القطاع الزراعي في المملكة بصفة عامة، وفي محافظة «الخرج» بصفةٍ خاصةٍ، لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة والأمن الغذائي للمملكة.
وتشتهر «الخرج» بزراعة مساحات شاسعة من الزراعات الحقليّة والأعلاف، وكذلك زراعة الخضراوات بنوعَيْها (المحمي والمكشوف)، فضلا عن زراعة النخيل، وخلال الآونة الأخيرة، أصبح هناك نشاط ملموس لـ«الخرج» في إنتاج العسل والأسماك وتربية الأغنام، كما اتّجه البعض إلى إقامة شتلات الخضار، ومشاتل أشجار الزّينة، والزهور، والفاكهة، وغيرها، لذا أصبحت «الخرج» سلة غذاء الرياض وكل مناطق المملكة عامّة.
ومن المشاريع التي أسهمت في تطوُّر وتقدُّم «الخرج» ما يلي:
مشروع «الخرج» الزراعي الذي تأسَّس عام 1939 في منطقة السهباء.
مشروع حرض الزراعي، الذي يقع على امتداد وادي السهباء شرق «الخرج» بطول 75 كم، وعرض 5 كم.
الشركة العربية السعودية للزراعة وإنتاج الألبان (الصافي)، والتي تأسّست عام 1979م، واكتملت مرافقها عام 1982م، وتعدّ الشركة الرّائدة في مجال إنتاج الألبان ومُشتقّاتها.
محطة الأبحاث الزراعيّة في السهباء، وتبعد 10 كم عن «الخرج»، و84 كم عن الرياض، ومساحتها 200.000 م².
شركة العزيزية للألبان وتقع جنوب الدلم.
شركة المراعي للألبان وتقع على طريق حرض.
مجموعة شركات الأخوين للاقتصاد والزراعة.
وهذا التقدُّم الزراعي في المحافظة؛ حدث بفضل السياسات التي اتّبعتها وزارة الزراعة، التي قدَّمت الكثير من الخدمات والتسهيلات للمُنتجين والمُربِّين والمزارعين، فضلا عن الإرشادات؛ لتطبيق السياسات الحديثة، المُتمثِّلة في استخدام وسائل الزراعة الحديثة، وأهمَّها الزراعات التي تعتمد على الاقتصاد في استخدام المياه، وأيضًا المشاريع والمزارع التي تعتمد على المكافحة الحيويّة والزراعة العضويّة.